مصر تبكي والمنابر.. وداعاً أحمد عمر هاشم
بعد رحيل العالم الجليل.. فكيف لا تبكي عليه المنابر؟

كان يحمل في ملامحه هيبة الأزهر ووقار الشيوخ، وفي حديثه دفء الأب ونور العالِم، لم يكن مجرد أستاذ للحديث وعلومه، بل كان حديثًا حيًا يسير على الأرض، يُنصت له الحجر قبل البشر.
هذا الذي جمع بين بلاغة الخطيب، وصدق العارف، وتواضع العابد، فكيف لا تبكيه المنابر؟ وكيف لا ينحني الأزهر اليوم إجلالًا وهو يودّع أحد أعمدته الباقين في الذاكرة؟
ودّعت مصر اليوم أحد أعلامها الكبار، الدكتور أحمد عمر هاشم، العالم الصوفي النقي، والمحدث الجليل، والمربي الذي خرّج أجيالًا، وما زال صداه في عقولهم لا يُنسى.
منذ أن وُلد في عام 1941، كانت حياته مشوار علم وعطاء، صعد درجات الأزهر حتى ترأس جامعته، وشارك في صياغة الوعي من خلال عضويته في مجمع البحوث الإسلامية، ومجلس الشعب، ومجلس الشورى، إلى جانب إشرافه على البرامج الدينية بالتليفزيون المصري، لم يكن وجوده في هذه المواقع تزيينًا للمشهد، بل كان منارة فكر وهُدى.
أثرى المكتبة الإسلامية بعدد من المؤلفات التي تفيض نورًا وصدقًا، مثل “من هدى السنة النبوية”، و”الشفاعة في ضوء الكتاب والسنة”، و”قصص السنة”، و”الإسلام وبناء الشخصية”، وسواها من الكتب التي لم تكتب بالحبر وحده، بل بروح من عاش ما قال وعلّم ما عمل.
شخصيًا، كان لي الشرف أن أكون أحد طلابه في جامعة الأزهر، كنت أرى فيه صورة الأستاذ والمربّي، وأشعر أني أتعلم من خُلقه قبل علمه، من سكينته قبل كلماته، واليوم، وأنا أودعه، أستعيد صوته في أذني، وأشعر أن الكلمات ترتجف من بعده.
إن العظماء لا يموتون، بل يرحلون إلى حيث البقاء، وتبقى سيرتهم حياةً تمشي بيننا، موعدنا معه في جنات ونهر، في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.
رحل صاحب الصوت الذي كان يخطب، فيصمت الزمان ليستمع، غاب وجه لطالما تلألأ في محاريب العلم، وسكن القلوب قبل أن يعتلي المنابر.